المادة    
ولقد غشيت القلوب غشاوات، وللتأريخ فترات وجولات، فقد مرت فترة أو مرحلة كان الناس فيها في الجهالة، ثم أيقظ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه الأمة بدعوة الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، ثم وقعت الغفوة -أيضاً- مرة أو مرات، ثم كانت الغشاوة الأخيرة، التي عانينا منها جميعاً في كل مكان، الغشاوة التي كانت كما قال عنها السلف الصالح: ''حب الدنيا رأس كل خطيئة'' والانفتاح على الدنيا التي تدفقت علينا من فوق البحار، والنعمة التي فتحت، وزهرة الحياة الدنيا حتى كان هناك من يحق فيهم قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُون َ))[يونس:7].
فقد تأثر كثير من الناس بهذه النعمة وهذا الترف، وأرادوا أن يأخذوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، وقد أقسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو البر الرحيم الشفيق بالمؤمنين- بقوله: {والله ما الفقر أخشى عليكم} وقد مرت هذه البلاد وهذه المناطق -جميعاً- بقرون من الفقر، ومع ذلك يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم} وقد وقع هذا في هذه الأمة.
وهذا الترف الذي وقع في الأمة في السنوات الماضية وبدأنا نرجع قليلاً قليلاً إلى نوع من الوعي والاستقرار والطمأنينة بعد سنوات الطفرة والضياع والفراغ أدّى إلى أن يشتكي العامة والخاصة مما حدث لأصالتنا ولعاداتنا الطيبة ولما هو أعظم من ذلك وهو: إيماننا وتقوانا ومعرفتنا بربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستقامتنا على منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا بنا جميعاً نقول: ما الحل، وما المخرج؟
فيأتي الحل والمخرج بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الدعوة إلى الله.
إن الدعوة إلى الله هي الغيث، فمهما أجدبت الأرض وأمحلت إذا أغاثها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تعود وتزهر وتنبت من كل زوج بهيج.
  1. الدعوة هي الحياة

    الدعوة إلى الله هي الحياة، كما أن ترك الدعوة أو ضعفها هو الموت ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ))[الأنعام:122] فقد أحيا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا القرآن وبهذه الدعوة قلوب الصحابة الكرام، وقلوب العرب بعد أن كانوا في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، ونحن اليوم نحتاج إلى ذلك العلاج، ونحتاج إلى تلك الحياة، ويجب علينا أن نعلم أن الدعوة إلى الله هي الحياة، وأنه لا حياة لنا بغير الدعوة إلى الله ولا عز لنا بغير الإيمان بالله، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب العزة لمن أطاعه، وكتب الذل لمن عصاه، فأبى الله إلا أن يذل من عصاه، مهما كان ومهما بلغ من القوة والجاه.
    فإذا أردنا العزة في الدنيا وفي الآخرة، وإذا أردنا المجد في الدارين، وإذا أردنا أن ننال رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فعلينا بالدعوة إلى الله، وأن نحب الدعاة إلى الله، وأن نسمع للدعاة إلى الله، وأن نتبصر بما يبصرنا به من يدعونا إلى الله، وأن نعلم أن هذه الدعوة هي روحنا وحياتنا وهي الغاية العظمى من وجودنا واختصاصنا بأننا أمة الإسلام ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110].
  2. ماذا يريد الدعاة إلى الله

    ولننظر إلى هؤلاء الدعاة ماذا يريدون منا وماذا يطلبون: أطلبوا منا مالاً؟
    أطلبوا منا دنيا؟
    أطلبوا منا جاهاً؟
    لا والله، بل من الناس ومن الجهال من ينهش في أعراضهم، ويعتدي عليهم بأنواع من الأذى والسب، وهناك من لا يطيق رؤيتهم، ومن يبغضهم ويكرههم، ومع ذلك لو اهتدى أعدى عدو للدعوة واستقام، وعرف الله وصلَّى وصام وحج البيت الحرام وعف عما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الدعاة يحبونه أشد الحب، وينسون كل ما قد أسلف فيهم من الأذى ومن الشر ومن الزور ومن البهتان، مع أنه لم يسترضهم كما يرضي أهل الدنيا بعضهم بعضاً بالمال، أو بما تحكم به القبيلة أو أي أحد، فهم لا يطمعون إلا في أن يهتدي، وهدايته وطاعته لنفسه، وخير ذلك واستقامته له في ذاته.
    فهم لا يريدون منه شيئاً ولكن يريدون الأجر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يريدون أن يعرف طريق الله، ولا يريدون لمسلم أن يعصي الله، كما قال بعض السلف: ''وددت لو أن جسمي قد قرض بالمقاريض وأن أحداً لم يعص الله عز وجل''.
    يحبون الله ويحبون أن يطاع الله، يحبون أن يسير الخلق في طريق الجنة ولا يسلكون طريق النار، يحبون ألا يدخل النار ولا يسلك طريق أهلها من هذه الأمة أحد، وخاصة من كان من أهلهم، أو عشيرتهم أو ذويهم، لا يحبون لهم إلا الخير، ومع ذلك يصبرون على أذاهم ويقولون كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} ويتحملون ذلك الأذى ثم لا يطمعون من الناس في شيء، بل هم يستبشرون بوعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم وبما أخبر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.
    فهم يستبشرون بما بشر الله به عباده الصالحين، وأثنى به عليهم، كما في قوله: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33] يقول الحسن البصري رحمه الله: [[هذا ولي الله، هذا حبيب الله، هذا صفي الله]].
    والناس كلهم يقولون ويتكلمون ويتجمهرون ويتجمعون، ويقيمون الحفلات، ويحضرون جموعاً غفيرة، ولكن شتان بين جمع وجمع، شتان بين من يجتمعون على ذكر الله فينفضون وقد غفر لهم حتى لو كان شقياً كما في الحديث، تقول الملائكة: {يا رب! إن فيهم فلان ليس منهم ولكن جاء فدخل فيهم، فيقول الله تبارك وتعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، قد غفرت له معهم}.
    فشتان بين هؤلاء وبين من يجتمعون على الإثم والخطيئة، ويتفرقون تفرقاً غير معصوم عن الإثم والخطيئة، وعن ذكر نهش الأعراض، وعن ذكر ما يثير الغرائز أو الفواحش أو النعرات أو الشحناء أو البغضاء بين المسلمين أو بين قبائلهم أو بين قراهم أو بين أفرادهم وكل ذلك مما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فكل الناس يتكلمون وميزة الناس هي هذا اللسان الذي علَّمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به البيان وجعلنا ننطق به، لكن: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33] يدعو إلى من؟
    يدعو إلى الله، نحن لا ندعو إلى بشر كائناً من كان، وهل هناك بشر أفضل وأعظم وأعلى قدراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    لا والله، ومع ذلك فنحن لا نقول: إننا دعاة إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن نقول: ندعو إلى الله؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان يدعو إلى الله، فنحن لا ندعو إلى إنسان كائناً من كان، فالدعاة جميعاً لا يدعون إلى أنفسهم، ولا يريدون من الناس أن يقتدوا بهم، ولكن يريدون أن يعرف الناس ربهم وأن يقتدوا برسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فأي قوم أحق وأولى بأن نفرح بهم من الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
    وأي عمل أجدر وأولى بأن نسر ونفرح ونسعد به من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
    وهي بهذه المنزلة، وأهلها بهذه المثابة عند الله عز وجل.
  3. حال العرب قبل الدعوة وبعدها

    قد كان العرب يعيشون في تلك الجاهلية والظلمات لا قيمة لهم بين الأمم، كان الفرس والروم يحيطون بهم من كل جهة، وكان العرب يعيشون السلب ويعيشون النهب، ويأكل بعضهم أموال بعض:
    وأحياناً على بكرٍ أخينا            إذ ما لم نجد إلا أخانا
    والقافلة الوحيدة، والركب الوحيد الذي لا يستطيع أحد أن يمسه أو أن يقربه، هو قافلة كسرى، فكان كسرى ملك الفرس يرسل قافلة تأتي فتجول بلاد العرب وتمر بأسواق العرب، عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، وغيرها، لا يستطيع أحد أن يتعرض لها، لأنها قافلة كسرى، وما كان الفرس يعدون العرب أمة، حتى أنهم ترفعوا أن يجعلوا عليهم ملكاً يحكمهم من قبلهم، لأنهم شذر مذر هباءً لا قيمة لهم، ولما بلغ كسرى كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعوته، أرسل إلى عامله بـاليمن: '' أنه بلغنا أن رجلاً من العرب قد خرج، فأرسل إليه رجلين جلدين يأتياني بخبره''.
    سبحان الله! كان في نظر كسرى أن هذا الرجل -داعية الحق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول رب العالمين- لا يستحق جيشاً ولا كتيبةً وإنما في نظر كسرى أن رجلين فقط يستطيعان أن يأتيا به ولكن الحق لا بد أن يظهر ولا بد أن ينتصر.
    فدمَّر الله تبارك وتعالى عرش كسرى وملكه، ودخله سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، بجند محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    في أيام عمر رضي الله عنه، دخلوا المدائن ودخلوا البيت الأبيض كما بشَّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل سعد ومن معه، وعجبوا من هذه الزينة، ومن هذا الترف، وعجبوا من هذه اللآلئ واليواقيت والجواهر، وأخذ سعد رضي الله عنه يشكر الله ويذكره ويقرأ قوله تعالى -وهو ساجد لله تعالى شكراً-: ((كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ))[الدخان:25-28].
    فبماذا كان ذلك؟
    كان بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يخفى علينا ماذا حصل لـقيصر ولغيره على يد دعاة الهدى أيضاً، فقد كانوا أضل أمة، ثم جاءت عصور وقرون من الانحراف أيضاً، وكانت نجد -وسط جزيرة العرب- أشد بقاع العالم الإسلامي ظلاماً وجهلاً وجاهليةً وظلماً وفحشاء وفجوراً، فجاءت الدعوة من جديد وأغاثها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالدعوة من جديد، فجاءت دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- وإذا بهذه الدعوة تنطلق وتنتشر وتظهر في الأرض بإذن الله تعالى، ويظهر لها قوة عظيمة، وفروع في غرب أفريقيا، وجنوب شرقآسيا وتركستان، وبلاد الترك، ومصر والسودان , واليمن، وفي بلاد المغرب، وفي كل مكان، الكل يدعو إلى دعوة التوحيد، إلى دعوة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الشرك، وإذا بأولئك يصبحون قادة، وإذا بتلك البلاد تصبح خير بلاد الدنيا، تمسكاً وهدىً وتقوى، ولله الحمد والفضل والمنة.
    وهذه سنة ربانية ما تزال قائمة، قال تعالى: ((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ))[محمد:38]، وقال في الآية الأخرى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))[المائدة:54]، فإذا أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يختار أمة، أو أن يصطفيها، أو يعليها، أو يرفعها، فمهما كانت فيها من الفرقة والجهالة والفقر والعوز والخوف فإنه يمنُّ عليها بالدعوة، فإذا قامت بالدعوة , ورفعت لواء التوحيد، والعدل والخير؛ نصرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الدنيا والآخرة.
  4. حقيقة الدعوة إلى الله

    إن الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هي دعوة إلى أن يتحرر الإنسان من العبودية لغير الله، من العبودية للأصنام والكواكب والشجر والحجر والبشر، وكل طاغوت يُعبد من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومجداً وكفى عزاً أن نجد من يدعونا إلى أن نكون عبيداً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو غاية العز وغاية الحرية، وأما العبودية لغير الله فهي الذل الأكبر، وإن كان بعض الناس يظن أنها حرية أو أنها متاع وخير، فلا خير فيمن عصى الله ولا فيمن لم يطعه. فالدعوة إلى الله هي دعوة للعدل وللقسط في زمان ظهر فيه الظلم في الدنيا كلها، فالعالم كله اليوم يشكو من الظلم، والجور، ويشكو من الطغيان، والانحراف، والضلال، فالعقوبات الربانية القدرية -كما ترون- من الزلازل والنكبات والمحن والفتن والحروب في كل مكان، ولا حل لذلك إلا بالدعوة إلى الله، فإذا نشرنا الدعوة إلى الله ارتفعت المظالم، وردت الحقوق والأمانات إلى أهلها، وعرف كل إنسان ما له وما عليه، واستقامت حياة الناس التي لا تستقيم بأي نظام إلا بشرع الله وبهدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والدعوة إلى الله دعوة إلى الإحسان في زمان ظهر فيه الشح والخيلاء، وظهر فيه الفخر، والتنافس على الدنيا، وأصبح الإنسان سخياً كريماً جواداً في الفخر والخيلاء والترف الكاذب والبذخ والعمل لغير وجه الله تبارك وتعالى. فإذا جاء داعي الإحسان وإذا جاءه من يستحق الخير والرحمة، كان شحيحاً قتوراً إلا من عرف الله، واهتدى بهدى الله، وسار في طريق الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فالدعوة إلى الله ترفع جميع هذه المظالم، والمشكلات، فالدعوة إلى الله تصحيح لأوضاعنا الاجتماعية، ونحن نعيش في أوضاع اجتماعية فيها سوء وخطأ وخلط وانحراف، ولن يصحح هذا كله إلا الدعوة إلى الله. بعض الناس يقولون: نشر التعليم يصحح هذه الأحوال، وقد نشر التعليم وانتشر، فما ازددنا إلا جاهلية جديدة، جاهلية مقنعة بالعلم انضمت إلى جاهلية متسترة بالجهل، فالعلم وحده لا يكفي، وأي علم هذا؟! إن كان علماً يُقرب إلى الله ويهدي بهدى الله فنعم! وأما إن كان مجرد علم مما يراد به غير وجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا لن يهدينا صراطاً مستقيماً، ولن يحل مشكلاتنا التي نعاني منها. فالمرأة تعاني من هضم حقوقها، وتعاني من الإجحاف بها، وتعاني الأسرة -أيضاً- من تسلط واليها، والأبناء من ظلم الآباء، والآباء من عقوق الأبناء، والأرحام من قطيعة أرحامهم،كل هذه المشاكل نعيشها ونعلمها، ولا حل ولا مخرج إلا بهدى الله وبالدعوة إليه سبحانه وتعالى، وبنشر ما جاء من دين الله وشرعه ووحيه بين الناس ليفقهوا ذلك، وليسيروا على بينة من أمرهم، وعندئذٍ نجد أن كل هذه المشكلات تذهب وتتلاشى بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.